Thursday, January 19, 2012

مغرب "الأوراش الكبرى"... إلى أين؟


مصطفى اجبيلى
 
ميناء طنجة المتوسط، تي جي في طنجة - الدار البيضاء، موروكو مول... إلخ، كلها مشاريع كبيرة من شأن أي بلد أن يفتخر بمثلها. لكن إلى أي حد يمكن لمثل هذه المشاريع أن تسهم حقاً في التنمية الاقتصادية للبلد؟ وما مدى نجاعتها في تقليص البطالة ومحاربة الفقر وتعزيز التنمية البشرية في بلد يتذيل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط في نسب التعليم؟ 

من بين عشرات المقالات اليومية في الجرائد المغربية نجد النقد والنقد المضاد في الشأن السياسي والاجتماعي وغيره, دونما التطرق بشكل كافٍ للسياسات الاقتصادية التي ينتهجها البلد. 

وقد أثار موضوع "الأوراش الكبرى" بالتحديد اهتمامي كونها تكلف دافعي الضرائب في المغرب أموالاً طائلة، وتجعل البلد برمته عبداً دائماً للدول والمؤسسات المالية العالمية المانحة للقروض دون أن تقدم هذه المشاريع "العملاقة" مردوداً إيجابياً ملحوظاً للشعب، خصوصاً الفئات الفقيرة منه. ربما تساعد هذه المشاريع في خلق بضعة آلاف من فرص العمل وتشجيع بعض الاستثمارات الأجنبية هنا وهناك, لكن الثمن باهظ جداً على المغرب. فمعظم تلك المشاريع عبارة عن صفقات سياسية أكثر منها اقتصادية. 

فمشروع القطار السريع يوهمني بأن المغاربة كلهم في عجلة من أمرهم كي يقطعوا المسافة من طنجة إلى الدار البيضاء في ساعتين عوضاً عن أربع. هذا المشروع - بحسب مراقبين - هو صفقة لإرضاء فرنسا الغاضبة من شراء المغرب طائرات إف 16 الأميركية بدلاً من "رافال" الفرنسية.. ببساطة هكذا تبدو الأمور. فرنسا أقرضت المغرب ملياري يورو كجزء أكبر من ميزانية إنشاء المشروع. ومعظم هذا المبلغ سيعود إلى فرنسا من خلال الشركة الفرنسية المكلفة بإنشاء المشروع والمهندسين الفرنسيين الذين سيعملون في المشرع.  
هكذا تعمل الدول والمؤسسات الكبرى، تقرض الأموال للدول الفقيرة من خلال اتفاقيات رسمية وتستعيدها في البداية  بشكل غير مباشر من خلال شركاتها التي تعمل في إنشاء هذه المشاريع، وبعدها بشكل مباشر حيث تقوم الدول الفقيرة بسداد الديون والفوائد المفروضة عليها، وحين تشتد الأزمات الاجتماعية على هذه الدول الفقيرة وتتخلف عن سداد ديونها في الوقت المطلوب تعاد جدولة هذه الديون بشروط عادة ما تكون سياسية كشراء الذمم في الأمم المتحدة والتبعية المطلقة، أو اقتصادية كفرض مزيد من الفوائد على القروض وفتح المزيد من القطاعات أمام الشركات الغربية، وفى بعض الأحيان تفرض عليك أن تقبل أن تكون مزبلة لنفاياتها النووية أو مستنقعاً لصناعاتها الملوثة للبيئة.. وكل هذا طبعاً باسم التنمية الاقتصادية العمياء. 
هذا ما يحدث في المغرب للأسف الشديد، نقترض فنتورّط ثم تُفرض علينا شروط من قبيل أن نفتح مولاً كبيراً لتسويق الماركات العالمية وامتصاص المزيد من دماء المغاربة، أو منح هكتارات شاسعة من الأراضي لهذا الغربي أو ذاك الخليجي.
أتساءل ما إذا كان بإمكان فرنسا أن تقرضنا ملياري يورو لكي نطور بها صناعاتنا الوطنية ونبني بها مؤسسات لتكوين طاقات بشرية في أعلى المستويات العالمية. غالب الظن أن فرنسا سترفض؛ لأنها لو فعلت ستكون بذلك تساعد المغرب على أن يكون مستقلاً ذاتياً ومنافساً لها ولشركاته ولطاقاتها البشرية.
لقد آن الأوان لمن يرعى سياسات التنمية الاقتصادية في المغرب أن يدرك أن المغرب ليس دبي ولا أمريكا لكي يبني مولات وقطارات سريعة تورطنا أكثر مما تفيدنا. فلو كانت فيها فائدة لوجدنا تركيا كلها مولات وقطارات سريعة، فمثل هذه المشاريع عادة ما تكون عبارة عن مظاهر وليس دوافع للازدهار الاقتصادي، وهذا ما يجب أن يدركه المغرب، حسب رأيي المتواضع.